ظاهرة متطرفو الأمازيغية
«الإسلام دين الغزاة العرب»، «الملكية ضد الهوية الأمازيغية»، «الاستقلال والحركة الوطنية وهم»، «الانفصال وتأسيس دولة الأمازيغ ضرورة ملحة»، «اللغة العربية متخلفة ووعاء للتطرف والأصولية»... هذا غيض من فيض. لبعض من أفكار يرفعها متطرفون أمازيغ
لا تقف مطالب الأمازيغيين عند حد الاعتراف بهويتهم. المتطرفون منهم يرفعون السقف عاليا. ربما لن يقف الأمر عند دسترة الأمازيغية كلغة وطنية.
معاداة الإسلام
تتفق الحركات الأماريغية، في مجملها، على مطلب ترسيخ العلمانية كحل لتحقيق الهوية الأمازيغية في بلاد المغرب، فالمجتمع الأمازيغي في نظرها كان دائما بعيدا عن الدين في تسيير شؤونه اليومية، إذ كان الفقيه يلازم مسجده فيما يتولى «أمغار الشيخ» أو «إينفلاس» «مجلس الجماعة أو القبيلة» البت في القضايا الدنيوية. وحتى بعد دخول الإسلام مع «الغزاة العرب» لم يثبت يوما أن طبق الأمازيغيون حدود الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بالسرقة أو الزنا أو الخمر، بل كان لهم نظام عقوبات قائم على العرف والعادة، كالطرد والنفي أو المقاطعة التامة. أمينة بن الشيخ، عضو المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تعتبر أن مطالبة الحركة الأمازيغية بالعلمانية تنسجم مع الثقافة الأصلية للأمازيغ، ليس فقط على مستوى القوانين المؤطرة للقبائل، بل وأيضا على مستوى القيم والأخلاق التي ميزت العنصر الأمازيغي منذ القدم. غير أن النشطاء الأمازيغيين يعترفون أن مطلب العلمانية يتعارض مع الدستور المغربي الذي ينص على الإسلام ديناً رسمياً للمملكة، وينص على أن الملك أمير للمؤمنين وحامٍ للملة والدين، وأيضا مع المنطق البراغماتي للدولة التي تستغل الخطاب الديني لاكتساب المشروعية وتحقيق مصالحها. وكرد فعل، يذهب بعض المتطرفين الأمازيغ إلى حد وصف الإسلام بأنه «مصدر للإرهاب والأصولية والعنف الغريب عن القيم والأخلاق الأمازيغية المسالمة والمتسامحة، ودين المستعمر العربي الغازي للشمال الإفريقي، ولم يكن يوما يتلاءم مع طبيعة الشخصية الأمازيغية التي حاربته بضراوة كما حاربت المسيحية الرومانية قبله». أمازيغي لا ينكر تطرفه وصل إلى حد مطالبة من سماهم بـ«العرب» «بالرجوع إلى صحرائهم حاملين معهم كتابهم المقدس «القرآن» ولغتهم المتخلفة التي شوهت الهوية الأمازيغية وحرمتها من حقها في التقدم على غرار بلدان الشمال المتوسطي». ويرى الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني أن الإسلام، بمجيئه، كرس نظام العبودية والاستغلال، واعتبر برابرة الشمال الإفريقي مواطنين من الدرجة الثانية، بل وفرض عليهم نظام الجزية والسخرة، وبذلك تحول إلى نظام قمعي. «ليس كل الأمازيغ مسلمين»، يقول الدغرني وكأنه حسم في الموضوع.
رفض النخبة الممخزنة
إذا كان الإسلام في نظر متطرفي الأمازيغية «دين الغزاة العرب القادمين من الصحراء» فإن استغلال القضية الأمازيغية لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه ليطول مفهوم الدولة. فدولة المغرب لِما بعد الاستقلال بنظرهم «ليست بالدولة الوطنية في شيء، بل هي دولة مخزن ما بعد الحماية، لأنها قائمة على النموذج اليعقوبي الفرنسي الذي يؤمن بالعنصر الواحد في الدولة وإقصاء باقي العناصر». المناضل عبد العزيز بوراس يعتقد أن الدستور الحالي يطمس الهوية الأمازيغية للشعب المغربي، ويحوله قسرا إلى شعب عربي. «إنه عنف إيديولوجي لم يسبق له مثيل في تاريخ بلادنا» يقول بوراس. تطرف نشطاء الحركة الأمازيغية لم يسلم منه مناضلون أمازيغيون أيضاً، ويصل إلى حد وصف أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأنهم «خونة للحركة لأنهم أصبحوا يمثلون النخبة المولوية»، وأصبحوا يترجمون توجه المخزن الذي يسطره «أعداء وخصوم الأمازيغية، ذوو العقلية العروبية المترسخة»، بحسب ناشط أمازيغي. ويرى المناضلون الأمازيغيون أنه، رغم خطب الملك محمد السادس، وإنشاء مؤسسة ملكية مهمتها النهوض بالأمازيغية، وإبرام شراكات واتفاقات مع بعض الوزارات والقطاعات، فإن الأمازيغية مازالت تعاني الإقصاء والتهميش. تعامل المخزن السلبي مع الحركة الأمازيغية، يفسره الناشط المعتدل أحمد عصيد، بكون 70 في المائة من النخبة المتولية لصنع القرار السياسي للدولة، تعود لأصول أندلسية، فمنذ الاستقلال كان التعيين في المناصب يخضع لمكان الازدياد، ولم تتغير الأمور إلا مع إدريس البصري الذي حاول ضرب النخب الفاسية بتكوين نخب جديدة «عروبية» وأمازيغية، لكنها كانت موالية لإيديولوجية المخزن وبعيدة كل البعد عن الحركة الأمازيغية، في الوقت الذي «بقي الأمازيغ مهمشين مقموعين إلى غاية 1994 حيث بدأ مسلسل رد الاعتبار للنخبة الأمازيغية العلمانية»، على حد قول عصيد.
حرب ضد التاريخ الرسمي
بعض الأمازيغيين لهم تصور آخر للتاريخ المغربي، مغاير تماما للرواية الرسمية التي تذكر أنه منذ منتصف القرن السابع الميلادي بدأت طلائع الفتح الإسلامي تصل إلى برابرة الشمال الإفريقي لتخرجهم من الظلمات إلى النور. لكن إذا كان أغلب المناضلين ينظرون إلى دخول العرب للمغرب بأنه غزو وليس فتحا، فإن آخرين يذهبون أبعد من ذلك، إذ يعتبرون أن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كالأدارسة والمرابطين والموحدين والسعديين مجرد إمارات «تافهة» قتلت مفهوم الدولة الأمازيغية وعوضته بنظام «شرقاني» قائم على الغيبيات والنسب القريشي الشريف. أحمد الدغرني يعتقد أن «التاريخ الرسمي مليء بالصور الكاريكاتورية، ويقول إن يوسف بن تاشفين المرابطي مثلا يصوره التاريخ الرسمي بأنه كان أميرا للمسلمين، ومجاهدا في أرض الأندلس والمغرب بورعه وتقواه، وينحدر من المجموعة القبلية صنهاجة، في حين أنه كان بربريا أسود، أميا لا يعرف العربية، وأصله من القبائل الإفريقية جنوب الصحراء على الحدود مع بوركينا فاسو. ويذهب الدغرني إلى حد الجزم بـ«أن المغرب لم يكن يوما دولة عربية، وأن القبائل التي استقرت في المغرب، إنما جاءت هربا من سلطة الدين المشرقي نحو فضاء أكثر حرية»… مطلب تصحيح التاريخ الرسمي يعتبره عصيد الرهان الأكبر للحركة الأمازيغية، والطابو الأول للأحزاب والمخزن، «فبعد دخول الإسلام الى المغرب سعت الإيديولوجية العربية الإسلامية لمحو التاريخ الأمازيغي وحضارته، بل وحتى الدول التي أقامتها القبائل الأمازيغية كالمرابطين والموحدين يذكرها التاريخ الرسمي على أنها دول عربية إسلامية». الفرق بين عصيد وبين الغلاة أنه يشترط أن تتم عملية التصحيح وفق منهج علمي دقيق يعتمد الوثائق والشواهد ويبتعد عن الروايات والتفسيرات الفردية والأسطورية. لا تقف مطالب الأمازيغيين عند تصحيح التاريخ فقط، بل تتجاوزه إلى دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية بدل العربية التي ليست لغة وطنية. وبحسب رشيد راخا، الرئيس السابق للكونغريس العالمي الأمازيغي، فإن اللغة الأمازيغية قادرة على أن تحل في الإدارة والاقتصاد والتدبير اليومي لشؤون المغاربة، فهي أقرب وجدانيا ونفسيا من لغة كلاسيكية جامدة لم يعديتكلمها أحد
عز الدين الهادف
Source :
http://www.nichane.ma/sommaire/index.php?option=com_content&task=view&id=328&Itemid=33
«الإسلام دين الغزاة العرب»، «الملكية ضد الهوية الأمازيغية»، «الاستقلال والحركة الوطنية وهم»، «الانفصال وتأسيس دولة الأمازيغ ضرورة ملحة»، «اللغة العربية متخلفة ووعاء للتطرف والأصولية»... هذا غيض من فيض. لبعض من أفكار يرفعها متطرفون أمازيغ
لا تقف مطالب الأمازيغيين عند حد الاعتراف بهويتهم. المتطرفون منهم يرفعون السقف عاليا. ربما لن يقف الأمر عند دسترة الأمازيغية كلغة وطنية.
معاداة الإسلام
تتفق الحركات الأماريغية، في مجملها، على مطلب ترسيخ العلمانية كحل لتحقيق الهوية الأمازيغية في بلاد المغرب، فالمجتمع الأمازيغي في نظرها كان دائما بعيدا عن الدين في تسيير شؤونه اليومية، إذ كان الفقيه يلازم مسجده فيما يتولى «أمغار الشيخ» أو «إينفلاس» «مجلس الجماعة أو القبيلة» البت في القضايا الدنيوية. وحتى بعد دخول الإسلام مع «الغزاة العرب» لم يثبت يوما أن طبق الأمازيغيون حدود الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بالسرقة أو الزنا أو الخمر، بل كان لهم نظام عقوبات قائم على العرف والعادة، كالطرد والنفي أو المقاطعة التامة. أمينة بن الشيخ، عضو المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تعتبر أن مطالبة الحركة الأمازيغية بالعلمانية تنسجم مع الثقافة الأصلية للأمازيغ، ليس فقط على مستوى القوانين المؤطرة للقبائل، بل وأيضا على مستوى القيم والأخلاق التي ميزت العنصر الأمازيغي منذ القدم. غير أن النشطاء الأمازيغيين يعترفون أن مطلب العلمانية يتعارض مع الدستور المغربي الذي ينص على الإسلام ديناً رسمياً للمملكة، وينص على أن الملك أمير للمؤمنين وحامٍ للملة والدين، وأيضا مع المنطق البراغماتي للدولة التي تستغل الخطاب الديني لاكتساب المشروعية وتحقيق مصالحها. وكرد فعل، يذهب بعض المتطرفين الأمازيغ إلى حد وصف الإسلام بأنه «مصدر للإرهاب والأصولية والعنف الغريب عن القيم والأخلاق الأمازيغية المسالمة والمتسامحة، ودين المستعمر العربي الغازي للشمال الإفريقي، ولم يكن يوما يتلاءم مع طبيعة الشخصية الأمازيغية التي حاربته بضراوة كما حاربت المسيحية الرومانية قبله». أمازيغي لا ينكر تطرفه وصل إلى حد مطالبة من سماهم بـ«العرب» «بالرجوع إلى صحرائهم حاملين معهم كتابهم المقدس «القرآن» ولغتهم المتخلفة التي شوهت الهوية الأمازيغية وحرمتها من حقها في التقدم على غرار بلدان الشمال المتوسطي». ويرى الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني أن الإسلام، بمجيئه، كرس نظام العبودية والاستغلال، واعتبر برابرة الشمال الإفريقي مواطنين من الدرجة الثانية، بل وفرض عليهم نظام الجزية والسخرة، وبذلك تحول إلى نظام قمعي. «ليس كل الأمازيغ مسلمين»، يقول الدغرني وكأنه حسم في الموضوع.
رفض النخبة الممخزنة
إذا كان الإسلام في نظر متطرفي الأمازيغية «دين الغزاة العرب القادمين من الصحراء» فإن استغلال القضية الأمازيغية لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه ليطول مفهوم الدولة. فدولة المغرب لِما بعد الاستقلال بنظرهم «ليست بالدولة الوطنية في شيء، بل هي دولة مخزن ما بعد الحماية، لأنها قائمة على النموذج اليعقوبي الفرنسي الذي يؤمن بالعنصر الواحد في الدولة وإقصاء باقي العناصر». المناضل عبد العزيز بوراس يعتقد أن الدستور الحالي يطمس الهوية الأمازيغية للشعب المغربي، ويحوله قسرا إلى شعب عربي. «إنه عنف إيديولوجي لم يسبق له مثيل في تاريخ بلادنا» يقول بوراس. تطرف نشطاء الحركة الأمازيغية لم يسلم منه مناضلون أمازيغيون أيضاً، ويصل إلى حد وصف أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأنهم «خونة للحركة لأنهم أصبحوا يمثلون النخبة المولوية»، وأصبحوا يترجمون توجه المخزن الذي يسطره «أعداء وخصوم الأمازيغية، ذوو العقلية العروبية المترسخة»، بحسب ناشط أمازيغي. ويرى المناضلون الأمازيغيون أنه، رغم خطب الملك محمد السادس، وإنشاء مؤسسة ملكية مهمتها النهوض بالأمازيغية، وإبرام شراكات واتفاقات مع بعض الوزارات والقطاعات، فإن الأمازيغية مازالت تعاني الإقصاء والتهميش. تعامل المخزن السلبي مع الحركة الأمازيغية، يفسره الناشط المعتدل أحمد عصيد، بكون 70 في المائة من النخبة المتولية لصنع القرار السياسي للدولة، تعود لأصول أندلسية، فمنذ الاستقلال كان التعيين في المناصب يخضع لمكان الازدياد، ولم تتغير الأمور إلا مع إدريس البصري الذي حاول ضرب النخب الفاسية بتكوين نخب جديدة «عروبية» وأمازيغية، لكنها كانت موالية لإيديولوجية المخزن وبعيدة كل البعد عن الحركة الأمازيغية، في الوقت الذي «بقي الأمازيغ مهمشين مقموعين إلى غاية 1994 حيث بدأ مسلسل رد الاعتبار للنخبة الأمازيغية العلمانية»، على حد قول عصيد.
حرب ضد التاريخ الرسمي
بعض الأمازيغيين لهم تصور آخر للتاريخ المغربي، مغاير تماما للرواية الرسمية التي تذكر أنه منذ منتصف القرن السابع الميلادي بدأت طلائع الفتح الإسلامي تصل إلى برابرة الشمال الإفريقي لتخرجهم من الظلمات إلى النور. لكن إذا كان أغلب المناضلين ينظرون إلى دخول العرب للمغرب بأنه غزو وليس فتحا، فإن آخرين يذهبون أبعد من ذلك، إذ يعتبرون أن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كالأدارسة والمرابطين والموحدين والسعديين مجرد إمارات «تافهة» قتلت مفهوم الدولة الأمازيغية وعوضته بنظام «شرقاني» قائم على الغيبيات والنسب القريشي الشريف. أحمد الدغرني يعتقد أن «التاريخ الرسمي مليء بالصور الكاريكاتورية، ويقول إن يوسف بن تاشفين المرابطي مثلا يصوره التاريخ الرسمي بأنه كان أميرا للمسلمين، ومجاهدا في أرض الأندلس والمغرب بورعه وتقواه، وينحدر من المجموعة القبلية صنهاجة، في حين أنه كان بربريا أسود، أميا لا يعرف العربية، وأصله من القبائل الإفريقية جنوب الصحراء على الحدود مع بوركينا فاسو. ويذهب الدغرني إلى حد الجزم بـ«أن المغرب لم يكن يوما دولة عربية، وأن القبائل التي استقرت في المغرب، إنما جاءت هربا من سلطة الدين المشرقي نحو فضاء أكثر حرية»… مطلب تصحيح التاريخ الرسمي يعتبره عصيد الرهان الأكبر للحركة الأمازيغية، والطابو الأول للأحزاب والمخزن، «فبعد دخول الإسلام الى المغرب سعت الإيديولوجية العربية الإسلامية لمحو التاريخ الأمازيغي وحضارته، بل وحتى الدول التي أقامتها القبائل الأمازيغية كالمرابطين والموحدين يذكرها التاريخ الرسمي على أنها دول عربية إسلامية». الفرق بين عصيد وبين الغلاة أنه يشترط أن تتم عملية التصحيح وفق منهج علمي دقيق يعتمد الوثائق والشواهد ويبتعد عن الروايات والتفسيرات الفردية والأسطورية. لا تقف مطالب الأمازيغيين عند تصحيح التاريخ فقط، بل تتجاوزه إلى دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية بدل العربية التي ليست لغة وطنية. وبحسب رشيد راخا، الرئيس السابق للكونغريس العالمي الأمازيغي، فإن اللغة الأمازيغية قادرة على أن تحل في الإدارة والاقتصاد والتدبير اليومي لشؤون المغاربة، فهي أقرب وجدانيا ونفسيا من لغة كلاسيكية جامدة لم يعديتكلمها أحد
عز الدين الهادف
Source :
http://www.nichane.ma/sommaire/index.php?option=com_content&task=view&id=328&Itemid=33